Designed by Freepik

vendredi 31 mai 2013

أي إرهاب نواجه؟ فـــــي الإرهـــــــــــاب الاقتـصـــــــــــادي

أي إرهاب نواجه؟ فـــــي الإرهـــــــــــاب الاقتـصـــــــــــادي

نشر في جريدة الشروق بتاريخ 26 ماي 2013




في خطاب تاريخي يرجع إلى سنة 2004، شخص رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد مسألة الإرهاب فيقول «إنها حرب الضعفاء ضد الأقوياء، فطالما يوجد هذا الفارق الهائل بين القوي والضعيف في القدرة على القتل، لا بد أن تحدث هجمات إرهابية ردا على أنواع القهر التي يذيقها القوي للضعيف».
وبعيدا عن شرعنة العنف والإرهاب، فإن فهم الظاهرة من المنظورين الاقتصادي والاجتماعي أمر ضروري للولوج إلى الحلول الناجعة، والمقصود هنا ب «الضعفاء» هي الفئات المفتقرة لأدوات الفعل والتأثير السياسي والمقصاة من دائرة القرار والفعل الاقتصادي والاجتماعي في مواجهة طغيان رؤوس الأموال الجشعة.
كان الرجل يعي ما يقول، كيف لا وقد عرفت ماليزيا، في ظل حكمه (1981-2003)، تجربة نظام مدني ديمقراطي رائد وحد الماليزيين على اختلاف أعراقهم وأديانهم وثقافاتهم وراء مشروع وطني جامع  حارب الفقر والجهل لتتراجع نسبة الفقر من حوالي 40٪ في مطلع الثمانينات إلى أقل من 5٪ في 2002 ولتنزل نسبة البطالة إلى حدود 3٪. كما تحولت ماليزيا في فترة حكمه من دولة تعتمد على إنتاج المواد الأولية وتصديرها إلى دولة صناعية يساهم قطاعا الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج  المحلي الاجمالي وتنتج ماليزيا اليوم 80% من سياراتها!
مهاتير بدأ التجربة الماليزية برفض قروض صندوق النقد الدولي وخاصة املاءاته المعادية للطبقات الشعبية المسحوقة والضاربة لسيادة الدول ومصالحها الحيوية، وذلك رغم الأزمة الاقتصادية التي عرفتها آسيا في أواخر التسعينات، أما حكومتنا «الشرعية» فقد شرعت، ومنذ البدء، في التفويض اللامشروط في المسألة الاقتصادية لصندوق النقد الدولي وتكنوقراط المؤسسات المالية العالمية الذين وضعت بين أيديهم مصير الشعب التونسي ومستقبل الأجيال القادمة فبدأت بالزيادة في سعر المحروقات (في أكثر من مناسبة) والمصادقة على برنامج تخريب هيكلي في كواليس القصبة ودون الرجوع إلى مؤسسات الدولة الشرعية وعلى رأسها المجلس الوطني التأسيسي.
لسائل أن يسأل ما علاقة كل هذا بالإرهاب؟ وأنا أسأل القارئ هنا هل تساءلنا نحن التونسيين، بل نحن العرب والمسلمين، عن أي إرهاب نتحدث؟ وأي إرهاب نواجه وكيف؟ وماهي الأرضية التي نما فيها الإرهاب في العالم وفي تونس المعروفة تاريخيا بالتجانس العقائدي والانفتاح والاعتدال؟ وما هي أولوياتنا في مواجهة الإرهاب في أشكاله المختلفة؟ سأحاول في سلسلة المقالات هذه تحليل ظاهرة الإرهاب من النواحي الاقتصادية والاجتماعية وأيضاً السياسية.
وأول أشكال الإرهاب المسلطة على الشعوب عامة والشعب التونسي خاصة هو الإرهاب الاقتصادي الذي يتخذ من المؤسسات المالية العالمية والعواصم الرأسمالية وبورصاتها والشركات متعددة الجنسيات معاقل ومراكز للتخطيط ووضع برامج الدمار المجتمعي التي تنفذها الحكومات «المحلية».
ولما كانت هذه الحكومات «المحلية» فاقدة للشرعية الشعبية فإنها صارت تلهث وراء استرضاء هذه المؤسسات والدول المانحة طمعا في مزيد من القروض والسيولة التي تسمح لها بإسكات الغليان الشعبي دون التفكير في حلول جذرية تنهض بالاقتصاد وتحقق الاستقلال الفعلي. كما تجدها مستعدة كل الاستعداد للتفويت في مقدرات الشعب والثروات الوطنية لصالح رؤوس الأموال المحلية والخارجية المرتبطة بالقوى العظمى.
وهي سياسات لا تخلو من الإكراه المادي والسياسي الذي يعرِّف الإرهاب. ذلك أن السياسات المتبعة إكراها لا تخدم مصالح الدول المقترضة وشعوبها المسحوقة، ولنا في السياسات المالية والفلاحية المفروضة في هذه البرامج التخريبية خير دليل. فالدول «المانحة» تفرض تقليص دور الدولة في التدخل في الاقتصاد وتخفيض دعم المواد الأساسية وميزانيات التعليم والصحة وتعطي الأولوية القصوى للزراعات الموجهة الى التصدير كقصب السكر والقطن والقهوة وغيرها من المنتوجات المسماة تاريخيا بـ«الاستعمارية» على حساب زراعات الكفاف التي تضمن الخبز اليومي للمواطن دون اللجوء إلي الاقتراض من الخارج.
هل هناك إرهاب أشد وطأة من ذلك الإرهاب الاقتصادي الذي سلط على النيجر مثلا، رابع أفقر البلدان في العالم، والذي لا تتجاوز مساحة أراضيه الصالحة للزراعة 4٪؟ فقد بدأ صندوق النقد الدولي، تحت غطاء مشروع إعادة هيكلة الاقتصاد النيجري، بحل وخوصصة الوكالة الوطنية البيطرية التي كانت تشرف على أكثر من 20000 رأس ماشية بتوفير التلقيح والأدوية والفيتامينات.. فكانت النتيجة أن الشركات الخاصة والمتعددة الجنسيات، اللاهثة وراء الربح السريع بأقل التكاليف، رفعت في أسعار الخدمات البيطرية وامتنعت عن إسداء الخدمات للفلاحين الصغار المنتشرين في أطراف البلاد المعزولة والوعرة وهو ما أدى إلى موت الآلاف من الماشية مما رمى بآلاف العائلات في أتون الفقر والخصاصة و.. الإرهاب صلب الجماعات «الإسلامية» المتمركزة في الساحل الإفريقي بحثا عن مورد رزق جديد في أسواق تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية...

ــــــــــــــ


للتعمّق أكثر في هذا الموضوع أنصح بالكتب التالية:

- Le prix de l›inégalité, J. E. Stiglitz
- La faim dans le monde expliquée à mon fils, J. Ziegler
- Un autre monde contre le fanatisme des marchés, J. E. Stiglitz

بقلم : أيوب المسعودي

vendredi 17 mai 2013

صفقة دار الضيافة تحت فرقعات الشعانبي

صفقة دار الضيافة تحت فرقعات الشعانبي
"ارقصوا وغنوا"

أيوب المسعودي
17 ماي 2013


دون مقدمات ودون إطالة:

أبو عياض، الغنوشي، المرزوقي وبن جعفر هم مجرد أزرار على لوحة مفاتيح في خدمة الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، ذراعها المالي في المنطقة، وكلاهما (قطر وأمريكا) يسيران الحكومة العميلة التي تحكمنا من وراء ستار عابثة بالثورة التونسية ودماء أبنائها في الداخل (بالدفع نحو مواجهة بين الأمنيين والعسكريين والسلفيين) والخارج (بالدفع بالشباب اليائس إلى أتون حرب إقليمية خدمة للراعي الأمريكي ضد شعب عربي مسلم).






أحداث الشعانبي في خدمة حركة النهضة وصفقتها السياسية


إن ما عشناه في الآونة الأخيرة من تأجيج للصراع العقائدي والهوياتي، بتخطيط وتشجيع من حركة النهضة، إنما يهدف إلى:


  • إعادة ترميم البيت الداخلي لحركة النهضة وتوحيد صفوفها حول المسألة الهوياتية والعقدية "الجامعة" بعد أن شهدت هزات كادت تعصف بالتنظيم (أنظر المقال الرائع لابراهيم الهضيبي، الإخواني، في تحليله لسياسات الإخوان قبل وبعد الثورة في مصر وتركيزه على عجز الجماعة عن الخروج من بوتقة الصراع العقدي لافتقارها لسياسات اقتصادية واجتماعية تلبي انتظارات الجماهير [1]). وجدير بالإشارة أن خطاب المرزوقي (في ما يسمى بالحوار الوطني) حول مسألة النقاب، في تعد سافر لاستقلالية الجامعة، إنما هو تجل لرقصة الديك المذبوح الذي يتشبث بجلباب سيده الغنوشي عبر إثارته لنفس هذه المسائل الهوياتية،
  • إعطاء هامش من المناورة السياسية لحركة النهضة (سيدور رحاها في دار الضيافة أنظر الفقرة الموالية) بعيدا عن الأضواء لتسوية "الخلافات السياسية" وتمرير دستور رجعي (أنظر الفقرة الموالية) مقابل تشريك النخبة البرجوازية السياسية في الحكم،
  • تمرير هذه الصفقة القذرة تحت غطاء الوفاق الوطني الكاذب (بمشاركة أحزاب وشخصيات تجمعية وأخرى انتهازية لا وزن واقعي لها) وباسم الوحدة المقدسة ضد خطر الإرهاب الداهم،
  • خلق البؤر الإرهابية وتأجيج العنف وتشجيع الترهيب بما يسمح لحركة النهضة بالتموقع في وسط اليمين "المعتدل المحافظ" كخيار ضد التطرف والغلو،
  • التغطية على مقتل الشهيد شكري بلعيد والذي تشير كل المعطيات الموضوعية إلى تورط حركة النهضة في قتله مع سابقية التخطيط.


لئن أصمت انفجارات الشعانبي آذاننا وأقضت مضاجعنا للوهلة الأولى، فإن لعبة دار الضيافة سرعان ما انكشفت.


مضمون الصفقة

إن ما دار في دار الضيافة يذكرنا بما أتته البرجوازية الألمانية في أعقاب ثورة 1848 - 1849 والتي سعت فيها النخبة البرجوازية إلى حماية امتيازاتها خوفا من المد الثوري الذي وصل إلى درجة تهديد الملكية الخاصة والمساواة في المشاركة السياسية بما يفقد البرجوازية احتكارها للوجاهة الاجتماعية والسياسية. أما اليوم وقد بان عجز الطبقة الحاكمة (حكومة وأيضا معارضة كصانعة للرأي العام) على الخروج من أزمة الحكم والشرعية التي نعيشها، وأمام تعطش الجماهير إلى التغيير وخيبتها من الحكام الجدد ومعارضتها، فقد باتت السلطة كما جزء من المعارضة الانتهازية متخوفة من صندوق الاقتراع ومستعدة للتآمر على الصندوق لصد أي تجديد في النخبة الحاكمة، حتى إذا اقتضى الأمر التحالف مع كمال مرجان التجمعي ووزير بن علي وصاحب القولة المأثورة "بن علي رجل كلمة وأنا عندي فيه ثقة...". كل هذا يأتي تتويجا لمسار ممنهج في التطبيع مع التجمعيين وقتل الثورة.

لنأتي الآن إلى المضمون:


  • ملحوظة عامة : سحب البساط من المجلس التأسيسي، صاحب الشرعية الأصلية والقبة الوحيدة التي يمكن أن تحتضن الوفاق بعيدا عن الحسابات السياسية، هو انقلاب على إرادة الشعب،
  • حصر أولويات المرحلة في النظام السياسي وتنظيم التنافس على الحكم بما يضمن الحفاظ على امتيازات النخبة الحاكمة الجديدة وحقها في "المشاركة" السياسية وإفراغ ثورة 17 ديسمبر من مضمونها وتحويلها من صراع طبقي على الوجود والمواطنة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى حرب ضد الإرهاب باختلاق الهاجس الأمني.
  • نظام الاقتراع : ومن الخطير أن يتم "التوافق" على نظام الاقتراع على القوائم مع اعتماد أكبر البقايا وبدعة "التزكية"، ذلك أن الأنظمة المجددة والتي قررت خوض غمار التجربة الديمقراطية بجرأة اعتمدت نظام الدوائر الفردية فيكون المترشح فردا يكون أقرب للناخب فيسهل التواصل معه ومساءلته قبل وبعد الانتخابات. كما أن نظام القوائم والدوائر الكبرى لا يخدم إلا النخبة الحالية والأحزاب الكبرى ذات القدرات المالية والتنظيمية التي تخول لها العمل والتنقل في دوائر كبيرة. أخيرا، أعتبر أن التزكية، والتي لم يقع تحديد آلياتها بعد، ستؤسس لأوليغارشية سياسية تحتكر السلطة إذا ما تقرر مثلا أن تتم التزكية من قبل الجماعات المحلية التي نصبتها الترويكا مثلا،
  • النظام السياسي : وقع التركيز على إحداث توازن مغلوط في "الصلاحيات" بين رأسي السلطة التنفيذية في حين أن لا معنى لإسناد وضع سياسات الأمن القومي لرئيس الجمهورية مثلا، ذلك أن الأمن القومي مفهوم مركب ويشمل الداخلي والخارجي والأمني والعسكري والاقتصادي والثقافي والجغرافي والجيوسياسي... إن لعبة تجاذب الغطاء هذه تدل على قصور في التدبير والاعتبار من أخطاء المرحلة، وكنا شاهدين على تداخل المسائل الأمنية والدبلوماسية مثلا في الملف السوري وكذلك قضية البغدادي المحمودي الذين عرفا تضاربا خطيرا في مواقف رؤوس السلطة التنفيذية مس من هيبة الدولة والاستقرار السياسي. وجوهر القول أن الدستور "التوافقي" الذي يتحدثون عنه يؤسس لنظام برلماني صرف يحول رئيس الجمهورية المنتخب انتخابا مباشرا وحرا إلى ساعي بريد يختم القوانين ويوزع المراسلات بين مصالح الدولة دون أن تكون له "سلطة" التحكيم بالاعتراض على خيارات سياسية لا تأخذ شكل قوانين والاطلاع (حق الاجتماع برئيس الحكومة بصفة دورية للاطلاع على مستجدات تسيير الدولة) وطرح سحب الثقة من الحكومة على البرلمان في الأزمات وحق اللجوء إلى التحكيم الشعبي في بعض الخلافات. كما أن مسودة الدستور الحالية لا تنص على تعزيز الأغلبية للقوانين العادية في حال رفض رئيس الحمهورية ختمها وهو ما يحد من إمكانيات التحكيم والتعديل،
  • تاريخ الانتخابات : إن الإعلان عن انتخابات في بحر 2013 (أي في غضون سبعة أشهر) قبل بعث الهيئة المستقلة للانتخابات (المخولة للإعلان عن رزنامة الانتخابات) والمجلة الانتخابية وهيئة القضاء... هو حلقة أخرى من حلقات الكذب والخداع والمناورة وللتذكير فإن الرئاسات الثلاث كانت قد وعدت، في أكتوبر 2012، بالانتهاء من كتابة الدستور قبل موفى 2012 وإجراء انتخابات في مارس 2013. ولا يمكن للترويكا تنظيم انتخابات قبل موفى 2013 إلا إذا كانت عاقدة العزم على تزويرها والتلاعب بنتائجها،
  • المضمر : السعي الحثيث إلى توسيع الصلاحيات دون الفصل بين "السلطات" ينم عن نية مبيتة لوضع دستور على قياس الترويكا تمهيدا لتأبيد سلطتها.
كل المعطيات تؤشر إلى التوجه نحو صفقة قذرة يضحى فيها بالاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية للثورة لصالح تقاسم الكراسي والانقلاب على الانتخابات قبل الانتخابات. أما المسائل "الخلافية" من حل روابط حماية الثورة وقتل الشهيد شكري بلعيد وتحييد دور العبادة عن قذارة السياسة، فالتوجه هو نحو مجرد "إعلان نوايا" وتشكيل لجان جديدة قديمة لا تختلف في شيء عن لجان التحقيق في أحداث 09 أفريل وسليانة وقتل الشهيد شكري بلعيد وكلها ملفات دخلت أو ستدخل طي النسيان...




[1] - goo.gl/2xk4I, "FROM PRISON TO PALACE: THE MUSLIM BROTHERHOOD’S CHALLENGES AND RESPONSES IN POST-REVOLUTION EGYPT", In FRIDE, Working paper N° 117, February 2013.
[2] - goo.gl/aPV0P, "La bourgeoisie allemande a-t-elle trahi la révolution de 1848 ? Bilan d'une analyse sérielle", In Persée, Volume 3, N° 4, Pages 527 - 540, 1988.

jeudi 16 mai 2013

أي مجتمع مدني نريد؟ المواطنية الوطنية شعارا

أي مجتمع مدني نريد؟
المواطنية الوطنية شعارا

أيوب المسعودي
16 ماي 2013


في إطار محاولة الجمعية التي أرأسها (رابطة الحريات والتنمية البشرية) ربط صلات بقوى المجتمع المدني من أجل التعاون والتنسيق، دعتني إحدى الجمعيات التونسية لحضور ندوة حول إصلاح منظومة العدالة بأحد نزل الكاف. بكل عفوية وتلقائية، رحبت بالفكرة وقبلت الدعوة، وجلست مع الجالسين...
الصاعقة أتت عند الاستماع إلى أحد المتدخلين الأجانب وهو يحيي منظمة فريدم هاوس (Freedom House) ويشكرها على المساهمة في تنظيم الندوة. في دهشة من أمري أخذت أنظر حولي وأدقق لأكتشف يافطة تحمل شعاري فريدم هاوس وميبي MEPI (Middle East Partnership Initiative). صاعقة جعلتني أغادر مكان الاجتماع في عجلة رفقة زملائي في الرابطة.

لمن لا يعرف هذه المنظمات، إليكم بعضا من خباياها:




MEPI  أو مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط، هي عبارة عن ذراع استخباراتية غير تقليدية وأداة من أدوات الاختراق السياسي والاجتماعي والعسكري التي أطلقتها الخارجية الأمريكية في شتاء 2002. وتحظى هذه المنظمة، التي تعمل بالتنسيق مع السفارات الأمريكية في المنطقة وأجهزتها الاستخباراتية، على تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي وضع منذ عقود قبل أن تعلن عنه وزيرة الخارجية الأمريكية رسميا نهاية 2003. وقد تبين من خلال تسريبات ويكيليكس كوثيقة "تونس : استراتيجية الإصلاح الديمقراطي لدعم أجندة الحرية"، أن هذه المنظمة وتفرعاتها إنما تعمل على التربص بالأنظمة العربية القائمة آنذاك وترقب فرص تعويضها بأخرى تكون أكثر تلاءما مع مصالحها في المنطقة حتى وإن تطلب الأمر توخي استراتيجية الصدام مع النظام كما اقترح السفير الأمريكي W.J. Hudson في نفس الوثيقة.
ومن المهم التذكير بترحيب طيف كبير من النخبة السياسية والمدنية آنذاك بالخطاب الأمريكي الجديد والذي ذهب في اتجاه الضغط على نظام بن علي من أجل تخفيف الخناق على الحريات ومنظمات المجتمع المدني والسماح بإمدادهم بالمساعدات المالية الخارجية. كل ذلك سعيا من الإدارة الأمريكية إلى بناء شرق أوسط جديد تقتاد فيه دول المنطقة بالنموذج الديمقراطي... الصهيوني... تمهيدا للتطبيع مع العدو الصهيوني.

وعلى خطى MEPI  تعمل Freedom House، وهي إحدى تفرعاتها التي تدعي الاستقلالية، على تلميع صورة الدولة العنصرية. فتحت عنوان " Israel is Mideast’s only 'free' state" (أي "إسرائيل، الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط")، نشرت صحيفة Jerusalem Post ، بتاريخ 21 جانفي 2013، مقالا تنقل فيه ما أتى في التقرير السنوي لمنظمة فريدم هاوس (Freedom House) من تمجيد وثني على ما يمثله الكيان الصهيوني كنموذج للديمقراطية في الشرق الأوسط، واصفة في نفس الصدد الكيان الصهيوني بالاستثناء في منطقة غلبت فيها الأنظمة الاستبدادية، دون أن تأتي على ما يقترفه الكيان الغاصب من جرائم ضد الإنسانية وممارسات ميز عنصري مقيتة وإلغاء لإنسانية الفلسطينيين الذين سلبوا الأرض والعرض. وللتاريخ، فقد تأسست Freedom House  سنة 1941 بقرار من الرئيس الأمريكي روزفيلت، أي سنة قبل استضافته للمؤتمر الصهيوني بحضور بن غوريون...

وقد أطنب الكاتب الأمريكي Philip Agee (والذي شغل منصب ضابط في الاستخبارات الأمريكية في حقبة الستينات) في تفصيل أشكال الاختراقات السياسية والأيديولوجية في كتابه « Inside The Company » حيث عدد أشكال الهيمنة السياسية والثقافية التي تمر عبر تمويل الجمعيات والشخصيات الوطنية قصد توجيهها بما يخدم مصالح الامبراطورية الأمريكية، خاصة في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات التي تزامن فيها سقوط الاتحاد السوفييتي مع رغبة جامحة لدى حلف شمال الأطلسي (الحامل للأيديولوجيا الرأسمالية والحلم الأمريكي) في إعادة تشكيل المنطقة بدءا بالخليج (حرب الخليج الأولى) وصولا إلى بلدان شرق أوروبا وتوجيه الثورات "الملونة" لإنهاء تفكيك الاتحاد السوفييتي بعد أن اختلت التوازنات الإقليمية وصار المجال فسيحا أمام أمريكا للتحكم في مجريات الساحة الجيوسياسية.

في هذا السياق، لا أوافق المرزوقي عندما كتب في 2006 "لتسقط الوطنية ولتحيا المواطنية"، في رسالة ضمنية إلى الحلفاء الخارجيين طالبا يد العون ضد النظام، هذا ما تيقنت منه بعد أن علمت ما علمت... فكما أنني مقتنع أن لا كرامة ولا انعتاق ولا تحرر حقيقيين دون تحقيق السيادة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية، فلا يمكن تحقيق الانعتاق والتحرر دون مجتمع مدني مستقل ومحصن ضد مشاريع الاختراق الثقافي والأيديولوجي الخارجي كما الداخلي. كما لا يمكن للمجتمع المدني أن يؤسس للمواطنية دون الوطنية التي تأبى التدخل في إرادة الشعب بما يمس سيادة الشعب ومفهوم الدولة.
كل المعطيات على الأرض تشير إلى نية جلية لدى حركة النهضة وحلفائها في ضرب كيان الدولة وإضعاف مؤسساتها واختراقها مجتمعا مدنيا وأمنا وجيشا من أجل إعادة تشكيل الدولة والمجتمع بما يخدم المصالح الداخلية للحكام الجدد والمصالح الإقليمية لحلفائهم الخارجيين. وهو ما جعل تونس مرتعا لأجهزة الاستخبارات المتسترة برداء المجتمع المدني وشعارات الديمقراطية ودعم الانتقال الديمقراطي...
كما لا تخفى على أحد اليوم سياسة السلطة الحالية التي تتعامل بمكيالين مع الجمعيات، فتراها تمول وتدعم الجمعيات الموالية التي تغدقها بأموال المجموعة الوطنية والتسهيلات اللوجستية والأموال القطرية والوهابية تحت غطاء العمل الخيري والإغاثة بينما تحاصر الجمعيات المصنفة في خندق "المعارضة" فتعطل اجتماعاتها وتسد عنها التمويلات والمساعدات.
إنني كرئيس جمعية تحاول، بما لها من إمكانيات جد متواضعة، التحرك والفعل بما يحمي ما تحقق من حريات بفضل الثورة ودعمها بتحقيق الانعتاق الاقتصادي والتنمية البشرية محليا وجهويا، أرفض رفضا قاطعا التعامل مع هذه الجمعيات المطبعة والتي ترمي، من خلال تطويقها لمجتمع مدني في طور الهيكلة، إلى تدجين الحراك الشعبي وإعادته إلى بوتقة التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية. إن طريق العمل المستقل طويل وشائك ولكنه الطريق الوحيد لبناء الثقة مع الجماهير والانعتاق الاقتصادي والسياسي.
وبناء على ما سبق، فإن الرابطة عاقدة العزم على التنسيق مع الشرفاء من نشطاء المجتمع المدني والسياسي لفرض الشفافية في تمويل الجمعيات وآليات منح المساعدات محليا، جهويا ووطنيا.




أيوب المسعودي

vendredi 3 mai 2013

لماذا أرفض مسودة الدستور؟

لقد عبد الشهداء الأبرار، الذين سقطوا على مذبح ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، طريق الانعتاق والتحرر وتحقيق المواطنة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولأنَّ دستور البلاد، الذي هو روح القوانين والمؤسسات التي ستحدد شكل الدولة وطبيعة علاقة المواطن بالدولة وحقوقه وواجباته، فلا يمكن إلا أن يكون مرآة لاستحقاقات الثورة وفي حجم تضحيات التونسيات والتونسيين.





وبناء على ما سبق، فأنا، كمواطن تونسي، أعتبر هذه المسودة مرفوضة شكلا ومضمونا وذلك، ودون الحصر، للأسباب التالية:


على مستوى الشكل
  • تشكيك عدة قوى من داخل وخارج المجلس، لا أعتبرها نشازا (كما فعل مكتب المجلس التأسيسي) بل أصواتا حرة تمارس واجبها في إنارة الرأي العام، في قانونية صياغة الدستور وشفافية إدارة عمل اللجان ونزاهتها،
  • انعدام الشفافية واهتزاز الثقة في التسيير المالي والإداري للمجلس التأسيسي،

على مستوى المضمون

  • التوطئة: غلَّب مضمون التوطئة المسائل الهوياتية على حساب قيم العدالة الاجتماعية وضرورة القطع مع سياسات التفقير والتهمسش وانسحاب الدولة من أي دور اقتصادي واجتماعي ومحاربة الفساد والمحسوبية كأحد أهم أسباب اندلاع ثورة 17 ديسمبر، هذا علاوة على تجاهل التوطئة لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني صراحة،
  • الفصل 8: على الدولة أن تلتزم (لا أن تسعى) بوضع السيايات الكفيلة بإرساء العدالة الاجتماعية وأرى من الضروري التنصيص صراحة على مبدأ  التمييز الإيجابي  لصالح الفئات والجهات المهمشة،
  • الفصل 15:  أعتبر الإبهام  الذي يكتنف عبارات مثل "أي قوات أخرى" و "شبه عسكرية" يبطن نية في فتح الباب أمام إمكانية ميلشة الأمن وخصخصة القوات المسلحة وزعزعة جمهوريتها تقويضا للسلم الاجتماعية،
  • الفصل 33: هذا الفصل مرفوض شكلا ومضمونا لما فيه من نية مبيتة في الانقلاب على حق العمل النقابي والإضراب وإفراغه من مضمونه عبر قوانين تضعها الأغلبية على قياس مصالحها السياسية ضاربة بذلك جوهر حرية العمل النقابي،
  • الفصل 40: لا مجال لتقييد حرية الإعلام والتعبير ونطالب في هذا الصدد إلى الاسترشاد بالفصل 12 من الدستور الفنلندي الذي لا يحد من حرية التعبير إلا في الحالات التي يكون فيها مس أو اعتداء على الطفولة. وتندرج سياسة الالتفاف على حرية الإعلام في سياسة ممنهجة تهدف إلى تركيع الإعلام، كما أن المماطلة في تفعيل المرسومين 115 و 116 المنظمين للصحافة والاتصال السمعي البصري للخروج من الفراغ القانوني لا تخدم إلا التعسف والاستبداد وابتزاز الصحفيين،
  • الفصل 57:  في تحديد دور المعارضة السياسية، ألفت الانتباه إلى تلغيم الدستور بمفاهيم غامضة ك"المساهمة النشطة والبناءة" في تحديد دور المعارضة وحقوقها وواجباتها لما في ذلك من تمهيد للوصاية على دور المعارضة،
  • الفصل 59: لقد قامت ثورة 17 ديسمبر للمطالبة بالمساواة في الحقوق والواجبات وخاصة  المساواة أمام القانون، إن دولة القانون والمؤسسات التي نصبو إليها هي التي تضع كل المواطنين على قدم المساواة أمام القانون مهما على شأنهم، ومن هذا المنطلق فإن هذا الفصل يمهد لتغول المسؤولين السياسيين ومكتب المجلس التأسيسي، كسلطة تشريعية، الذي يُمنح بموجب هذا الفصل الحق في إنهاء إيقاف النائب والتدخل في السلطة القضائية وفي ذلك ضرب لمبدأ الفصل بين السلطات،
  • الفصل 60 : إيمانا بضرورة تكريس الديمقراطية التشاركية، عمليا ودستوريا، وتشريك الشباب والمجتمع المدني والممثلين المحليين والجهويين في التشريع ووضع السياسات الاقتصادية والاجتماعية، يمكن في هذا الصدد الاستلهام من الدستور الشعبي الإسلندي في فصله 66 لمنح 2% من الناخبين إمكانية اقتراح مشاريع قوانين تعرض على المجلس التأسيسي بعد نيل تزكية 10% من نواب الشعب مثلا،
  • الفصل 61 : قانون المالية ليس بنص مقدس ولا إرادة تعلو فوق إرادة الشعب، كما أن "التوازنات المالية" مفهوم يختلف تأويله بحسب الخيارات الاقتصادية للأغلبية ولا يمكن أن نسمح بالالتفاف على إرادة الشعب، وأطالب في ذات الصدد بالتنصيص على علوية واجبات الدولة الاقتصادية والاجتماعية تجاه الشعب على التزاماتها الدولية وذلك طبقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة،
  • الفصل 65 : لابد أن تعطى الأولوية في تكوين اللجان القارة لمعيار الكفاءة والخبرة والتخصص لا المحاصصة الحزبية ،
  • الفصل 75 : أرفض رفضا قاطعا تحصين رئيس الجمهورية من الأفعال التي يقوم بها أثناء أداء مهامه لما في ذلك من ضرب لمبدأ المساواة أمام القانون وفتح لباب التغول والتفصي من المساءلة،
  • الفصول 76، 77، 78، 81، 82،، 83، 86 : بخصوص صلاحيات رئيس الجمهورية، لا يمكن قبول تجريد رئيس الجمهورية، المنتخب من قبل الشعب مباشرة، من كل الصلاحيات وتحويله إلى ساعي بريد يختم القوانين ويزكي قرارات الائتلاف الحاكم. كما أعتبر هذه الفصول تقويضا للتوازن بين السلطات وتمهيدا لعودة الاستبداد وتفرد الحزب الواحد بالسلطة. وأرى في هذا الشأن، أن تمنح صلاحيات الدفاع والسياسة الخارجية لرئيس الجمهورية، دون غيره، على أن يضطلع بتعيين المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين دون الرجوع إلى رئيس الحكومة مع ضرورة تدعيم الأغلبية المصوتة على القوانين التي يرفض رئيس الجمهورية ختمها،
  • الفصل 89 : إن عبارة "ويتصرف في الإدارة" تفتح الباب أمام التعسف على الإدارة وتسييسها وإخضاعها لمآرب حزبية لا تخدم الصالح العام ويستحسن حذفها،
  • الفصل 92 :  على رئيس الحكومة الاستقالة من مسؤولياته الحزبية لما له من صلاحيات وسلطة على مفاصل الدولة،
  • الفصل 104 : أطالب بتقليص مجال تدخل القضاء العسكري وتحجير محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري الذي يعتبر، في الديمقراطيات العصرية، قضاء استثناءيا،
  • الفصل 129 : أرى أن الدستور في صيغته الحالية لا يقطع مع سياسات العهد البائد المبنية على مركزية القرار والسياسات ولا يمنح الجماعات المحلية والبلديات والمجالس الجهوية، التي نريدها منتخبة، أدوات الديمقراطية التشاركية الكفيلة بإرساء اللامركزية،
  • الفصل  133 : يحد من صلاحيات المجالس المحلية والجهوية ويختزلها في الدور الاستشاري غير الملزم.


إن بيان المجلس التأسيسي بتاريخ 27 أفريل 2013 والذي تضمن تهديدا وترهيبا صريحين لكل الأصوات الحرة التي ارتفعت داخل المجلس التأسيسي وخارجه من أجل إنارة الرأي العام وتنبيهه إلى ما يتهدد الدستور كمعبر عن الإرادة الشعبية والتوافق مرفوض وينم عن عقلية تسلطية استبدادية لا تقبل الحوار والنقد. وعلى كل القوى المدنية والسياسية الغيورة على استحقاقات الثورة ودماء الشهداء التعبئة والضغط من أجل فرض مراجعة جذرية لشكل ومضمون هذا الدستور بما يستجيب ل:
  • دستور شعبي ديمقراطي يكرس التوافق وعلوية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وعلى رأسها حق العمل النقابي والإضراب، وواجب الدولة في ضمانها،
  • دستور يضمن حرية التعبير والإعلام والنشر دون لبس،
  • دستور مبني على التوازن بين السلط وشفافية التسيير وتشريك الشعب في التشريع ومراقبة الإدارة والسلطة عبر مجالس محلية وجهوية منتخبة تتمتع بحد أدنى من الاستقلالية المالية والإدارية والتأثير على السياسات المحلية،
  • دستور يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني،
  • تفعيل المراسيم 115 و 116 للخروج من الفراغ القانوني في مجال الإعلام وسد أبواب الابتزاز والتلاعب بالانتخابات،
  • الإسراع في بعث الهيئة المستقلة للانتخابات بعيدا عن المحاصصة الحزبية وتغليبا للمصلحة الوطنية بما من شأنه إعادة الثقة في المسار الانتقالي


أيوب المسعودي
04 ماي 2013