Designed by Freepik

vendredi 15 novembre 2013

في مسألة الأحباس

في مسألة الأحباس


أيوب المسعودي


14 نوفمبر 2013



لم أكن أريد التعليق على مسألة الأحباس التي أثيرت بقوة في الفترة الأخيرة، إلا أنني لم أتمالك نفسي وأحسست بحاجة ملحة لإبداء رأيي المتواضع في هذا الشأن بعد أن قرأت مقالا للسيد محمد مبروك الأستاذ الجامعي في الاقتصاد والمسؤول عن قسم الاقتصاد في المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لمؤسسة رئاسة الجمهورية.
وقد كتب السيد مبروك في مقاله (2) : "هكذا تمكّن الفكر المتغرّب المعادي للإسلام بأن يحرم المسلمين من ثواب تحبيس أملاكهم في سبيل فعل الخير. فأوّل فصل من الأمر المذكور نصّه هو “يُمنع التحبيس الخاصّ و التحبيس المشترك و يُعتبر لاغيا كلّ تحبيس من هذا القبيل”. ليس هناك في العالم بلد سنّ مثل هذا القانون. هكذا انفردت تونس من بين جميع دول العالم بمنع مواطنيها عن باب من أبواب فعل الخير!...".

استوقفني هذا المقطع واستثارني لما يحمله من شحنة أيديولوجية أخلاقوية لا تخفي نزوعا ماضويا نحو تصفية حسابات وصراعات ولت وانقضت. إن هذا النوع من التحليل المبتذل الذي يصدر من تقييمات أخلاقية لا علمية، ذات خلفيات سياسوية، هو أبعد ما يكون عما ننتظره من أستاذ جامعي وأحد المتعاونين مع معهد دراسات استراتيجية...
لقد ركز السيد محمد مبروك، أستاذ الاقتصاد، على الجانب الفقهي للمسألة، وهو طرح حمال أوجه يتجاوز اختصاص كاتب المقال المذكور، فغفل عن الاسترشاد بالاستصلاح المالكي والاستحسان الحنفي مثلا كسبب للاجتهاد قصد التيسير في الإسلام وتحقيق المنفعة العامة.

لقد غفل السيد مبروك أيضا، أو تغافل ربما، عن أداء المهمة المنوطة بعهدته، وهو الأستاذ، لتحميص المسألة وتحليلها تحليلا تاريخيا علميا صارما يحتكم إلي الأرقام والتحليل المنطقي، لا الإشراقي الأخلاقي المتسربل بالديني، لتحليل تأثير منع التحبيس على الاقتصاد التونسي وخاصة تأثير التحبيس على أسعار الأراضي والعقارات والاستثمار والإنتاج... ما غفل الأستاذ عن التحليل الاجتماعي والخلفيات العميقة لمنع التحبيس، ذلك أنه من المعلوم مثلا أنه بعيد الاستقلال، وفي مجتمع كان يغلب عليه التفكير الذكوري التقليدي، كثير من التونسيين الذين ليس لهم أبناء ذكور كانوا يعمدون إلي التحبيس مفضلين ذلك على توريث البنات...

إن إثارة هذه المسألة هو حلقة جديدة من حلقات الصراع على الماضي من أجل الحاضر كما فسرته في مقالي (أزمة الثورة التونسية : بين الماضي والحاضر - جزء 2 - (1)، وهي كلها أطروحات تعكس جوهر الأزمة التي نعيشها، أزمة التأسيس العقلاني الذي ينطلق من الواقع ومن الوعي بالذات والحاضر، إنها أزمة العقل السياسي التونسي والعربي المرتبك والممزق فلا هو حسم الماضي ولا هو وعى بالحاضر

لا يهم الموقف من مسألة الأحباس بقدر ما يهم المنهج والبناء الفكري الذي يؤسس للموقف. إن صدور المواقف من قضية الأحباس كرد فعل من سياسة بورقيبة تجاه الزيتونيين والمؤسسة الدينية (إن صح ذلك) لا يخدم المنهج العلمي والأهداف الوطنية بقدر ما هو محاولة لترميم شرعية متهاوية لطرف سياسي بنى مشروعيته على الخطاب الديني الدعوي، ولما انكشف زيف خطابه ومكر سياسته، عاد إلي سالف استراتيجيته عبر إحياء قضايا هامشية آملا التغطية على عجزه في حلحلة أمهات القضايا.

كما أن محاولات تقديم الصراع البورقيبي - اليوسفي على أنه صراع الحداثة الفرونكوفونية مع الأصالة العروبية الإسلامية هو ضرب من التزييف للتاريخ. لقد كان الصراع سياسيا بالأساس، فإذا كان بورقيبة قريبا من الفرنسيين فلقد كان بن يوسف قريبا من الأرستقراطية الدينية المحافظة والمسيطرة على الزيتونة والإتاء والقضاء الشرعي والإدارة وجل مفاصل الدولة والتي كانت تخشى فقدان نفوذها في ظل مشروع الدولة الوطنية البورقيبية الذي عمم التعليم وتونس الإدارة والقضاء ومدنهما. لقد وقف الزيتونيون مع بن يوسف من باب عدو عدوي هو صديقي، وهذه قراءة واقعية للتاريخ والسياسة بعيدا عن العاطفة والديماغوجيا التضليلية لا تنقص شيئا من نضالية الزعيمين بورقيبة وبن يوسف الذين كانا يحملان مشروعين من واجبنا فهمهما فهما تاريخيا نقديا يؤسس للمستقبل ولا يسجننا في الماضي. وجوهر القول أننا نحن العرب والمسلمون لم نخرج بعد من دائرة التشريع في قضية الخلافة منذ الفتنة الأولي، لقد تناوب الفقهاء والمفكرون طوال التاريخ على التشريع للحاكم الجديد بشتى السبل والحيل بينما يراكم غيرنا المعارف وبناء المؤسسات وإنتاج الفكر والتكنولوجيا والأدب

لقد عرض علي منصب مدير المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية إبان استقالتي في جوان 2012 من رئاسة الجمهورية فرفضت لاقتناعي بأنها كانت هدية مسمومة لشراء ذمتي فأبيت وأعرضت غير نادم. الشيء المؤكد هو أنني لو قبلت بذاك المنصب لما قبلت بهذا النوع من المقالات الديماغوجية الفاقدة للصرامة المنهجية والصلابة العلمية.

1 commentaire:

  1. ليتك قبلت و لم تتركه لأمثال طارق الكحلاوي و بقية شلته من المتسلقين الهاربين بطوب البيت الذي وقع. ما يحدث بهذا المعهد وصمة عار و إن كان الشيئ من مأتاه لا يستغرب، و إلا ما علاقة السيراميك و هي اختصاص الكحلاوي المعروف بتأجير قلمه المتوسط القيمة لمن يدفع أكثر من العرب القطرية للصباح و مالكها صخر الماطري، ما علاقته بالاستراتيجيا هو أو من استقدمهم من الاخوان الجدد و أغلبهم من أمثال صاحبك أعلاه ؟

    RépondreSupprimer