Designed by Freepik

samedi 23 mars 2013

وعد إمرالي ومخطط التقسيم الجديد


وعد إمرالي ومخطط التقسيم الجديد

أيوب المسعودي
23 آذار مارس 2013



من جزيرة إمرالي التركية، جنوب بحر مرمرة، وضع حجر الأساس للحرب الإقليمية الوشيكة في الشرق الأوسط، وهاهو وعد إمرالي ومخطط تقسيم المنطقة.


من لا يحسن قراءة التاريخ يتخلف عنه، ومن لا يحسن قراءة رسالة الزعيم الكردستاني عبد الله أوجلان، إلى الشعب الكردي في 21 آذار مارس الفارط، لن يدرك حجم ما يتهدد الوطن العربي خاصة ومنطقة الشرق الأوسط عامة. ففي معرض رسالته، أشار أوجلان إلى ضرورة ترك السلاح مناديا إلى الوحدة التركية الكردية ومذكرا بمعركة مضيق الدردنيل (وهي من أشهر معارك التحرير التركية ضد جيوش الأنجليز والتي كان لأتاتورك دور تاريخي فيها) التي خاضها الأتراك والأكراد جنبا إلى جنب. أوجلان بدعوته الصريحة تلك، من سجن إمرالي... قطع مع ثلاثة عقود من الحرب الانفصالية المسلحة التي قادها الأكراد ضد الدولة الأتاتوركية. وقد أكد في رسالته : "وهذا لا يعني إنكار الأصل، بل تعايش المجتمع الأناضولي والكردستاني بمساواة وسلام وفق تاريخ كردستان وأناضول القديمة" ... كما جاء في نص الرسالة: "يتطلب البحث والتنقيب عن نموذج ديمقراطي حر بحيث يستطيع الكل أن يجد نفسه فيه. ولبناء هذا النموذج يجب عدم التخلي عن جغرافية مزوبوتاميا وأناضول."



إن الإطناب في التأكيد على الجغرافيا التاريخية للأناضول وامتدادها في "مزوبوتاميا" (أي بلاد ما بين الرافدين) لذو دلالات خطيرة لا يمكن إدراكها دون التوغل في ما يخطط له على نار هادئة، ومنذ سنوات، بين واشنطن وفرنسا وأنقرة والدوحة.

ليس من الصدفة في شيء تزامن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بين 20 و 22 آذار مارس الفارط، إلى كل من العدو الصهيوني والضفة الغربية والأردن مع تسارع الأحداث في الشرق الأوسط من قتل الشيخ البوطي، كردي الأصل، واتهام النظام بقتله، إلى "اختيار" غسان هيتو، الحامل للجنسية الأمريكية، رئيسا للحكومة الانتقالية السورية، وعودة العلاقات التطبيعية العريقة بين تركيا والعدو الصهيوني بعد المكالمة الهاتفية الحميمية بين أردوغان ونتنياهو وأخيرا وخاصة "المصالحة" التركية الكردية. كما أنه من الملفت أيضا تقديم أردوغان منذ يومين مشروع عفو خاص عن السجناء الأكراد التابعين لحزب العمال الكردستاني وهو ما سيسمح لهم بالالتحاق بجبهات القتال إما في منطقة الأكراد السورية تحت سيطرة حزب التحالف الديمقراطي ( حزب كردي سوري)، أو بجبهة الحرب على إيران عند الاقتضاء... كل ذلك أملا في تأسيس دولة كردية مستقلة تحقق آمال اللأكراد وتطلعاتهم.
هكذا نجحت أمريكا في رأب الصدع بين الحلفاء تحضيرا للمعركة الحاسمة والمشتركة، معركة لا تريد أمريكا أن تشوبها شائبة أو خلاف، مهما كان شكليا عرضيا. أما زيارة السفير الأمريكي للحدود التونسية جنوبا، منذ يومين، في تعد صارخ للسيادة الوطنية والأعراف الدبلوماسية، فهو للتأكد من غلق الحدود على تصدير المقاتلين بعد أن غنم الناتو بما يكفيه من الشباب التونسي كوقود حرب وبعد أن صار التونسي، المتواجد بتزايد في صفوف جبهة النصرة، غير مرغوب فيه في سوريا.


لقد اعتاد النظام التركي، المطبع اقتصاديا وخاصة عسكريا مع العدو الصهيوني، استعمال الورقة الفلسطينية في كل محطة انتخابية بطريقة شعبوية لا تعكس سياسة مبدئية أو استراتيجية لدعم المقاومة ضد العدو الصهيوني. أما الآن وقد دقت ساعة الحسم في الشرق الأوسط، الآن وقد سقطت الأقنعة، سيظهر النظام التركي على حقيقته وسينكشف زيف الخطاب المعادي لإسرائيل والذي نال إعجابنا نحن العرب السذج العاطفيين.


ما الهدف من زيارة أوباما إذا إلا مكافأة العملاء الذين باعوا المنطقة وباعوا سوريا كما باعوا العراق قبلها وباعوا المقاومة العربية بدءا بعباس مقابل 500 مليون دولار مرورا بملك الأردن الذي فتح حدوده وحول الأردن إلي قاعدة عسكرية أمريكية مفتوحة لتصدير الأسلحة والمقاتلين المدربين على أيد أمريكية... مقابل 200 مليون دولار... وخاصة حماية العرش الهاشمي.

أما نصيب الأسد فسيذهب إلي تركيا التي لا تبالي بالدولارات الأمريكية، فدولة تركيا القوية، العضو في حلف شمال الأطلسي، وخلافا للدول العربية العميلة، لا تحركها مطامع آنية ضيقة تخدم مصالح العائلات والأوليغرشيات الحاكمة، تركيا ستخرج من الحرب ب:



  • بناء فدرالية تركية - كردية كبيرة تكون تحت هيمنة تركية أطلسية، والتي ستشمل حتما الأراضي العربية ذات الأغلبية الكردية شمال سوريا (قرابة الثلاث ملايين) والعراق (قرابة الست ملايين) وشمال غرب إيران (قرابة الثمان ملايين) وجنوب شرق تركيا (قرابة الخمسة عشر ملايين)، ما سيمكن تركيا من مخزون نفط كردستان العراق الكبير مع إضعاف إيران وسوريا. وقد سبق وأن فكر تورغوت أوزال (الرئيس الثامن لتركيا) في هذا الحل للمسألة الكردية، هذا هو الثمن لإعلان أوجلان وقف المقاومة المسلحة،
  • تحييد الدور الكردي، في أحسن الأحوال، في معركة سوريا بعد نداء أوجلان إلى الوحدة وترك السلاح، أو تسليحهم في المعركة ضد سوريا فإيران، في أسوأ الأحوال، وهو الأرجح،
  • حسم المسألة الكردية بشكل سلمي ديمقراطي وهو ما سيسمح لتركيا بتدعيم موقفها في حلف شمال الأطلسي وخاصة أمام الاتحاد الأوروبي الذي كان يدعي أن المسألة الكردية تقف حجر عثرة أمام دمقرطة تركيا وولوجها إلي ناديهم، نادي الدول "السلمية الديمقراطية"... وهذا ما نقرأه في تأكيد أوجلان على خيار "العصرانية" و"التحديث" في أكثر من موقف في رسالته إلي الشعب الكردي. هذه "المصالحة" التي طبخت على نار هادئة هدفها الأساسي ولوج أوروبا والناتو، عبر تركيا ودولة الأكراد القادمة، إلى نفط العراق وإيران وغاز الساحل السوري في طور لاحق.


تركيا ماضية بخطى حثيثة لبسط يدها على مقدرات المنطقة العربية مستثمرة في ذلك عجز العرب وضعف دولهم وقلة حيلة حكامهم وقصور تدبيرهم وتخطيطهم.


أما العرب، نحن العرب، فسنخرج صاغرين أذلاء موسومين بالعمالة والخيانة بعد أن بعنا الوطن بحفنة دولارات أمريكية.

كما أن حكومتنا التي أرسلت جنودنا البواسل إلي قطرائيل في ما وصفها مسؤولون في وزارة الدفاع بأنها "تبادل خبرات"، كانت تعلم جيدا الدور القطري في الحرب على سوريا وتقسيم المنطقة، وهي على علم بما يتداول من أخبار عن أن جنودنا أرسلوا للتدرب جنبا إلي جنب، في قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي القطرية،  مع جنود صهاينة تحت العلم الأذربيدجاني... دون أن يصدر أي تكذيب أو توضيح.

أنا لا ألوم تركيا، الدولة التي تخطط من أجل تحقيق مصالحها ولو على حساب الأمة العربية الإسلامية، كما لا ألوم إخواننا الأكراد الذين لم يجدوا مكانهم في الدول العربية الفاشلة المستبدة والعاجزة عن إدماج الأقليات في مجتمع مبني على الديمقراطية والمدنية والمواطنة، اللوم كل اللوم على حكامنا الخونة الذين فتحوا حدودهم، من المحيط إلي الخليج، مرورا بتونس، خاصة تونس، لتصدير المقاتلين وتحويل شباب تونس المفقر والمهمش إلي حطب حرب قذرة لا تخدم إلا مصالح مشروع التتريك الجديد للمنطقة وتقسيم الوطن العربي الإسلامي قبل نهبه من قبل حلف الناتو. هذا الحلف الذي اتخذ من تركيا حصان طروادة لاستعمارنا من جديد. ستكافأ تركيا قريبا على كل هذا بدخولها إلي الاتحاد الأوروبي من الباب الكبير ليقبع العرب أكثر فقرا وتخلفا وانقساما.


أيوب المسعودي

lundi 18 mars 2013

لكم حكومتكم ولنا ثورتنا

لكم حكومتكم ولنا ثورتنا


أيوب المسعودي


نشر في جريدة صوت الشعب بتاريخ 14 آذار / مارس 2013 - العدد 89


كتب الكثير في شأن أطول تحوير وزاري وأكثره إضجارا للنفوس وللشعب الموزور... يطول الحديث في تفاصيل هذه الأزمة المفتعلة والتي لا تعدو أن تكون حلقة من حلقات سياسة التحيل التي تنتهجها الترويكا، وما تزال، والتي كنت قد كتبت فيها في صوت الشعب بتاريخ 28 فيفري 2013 تحت عنوان : "النهضة، دروس في التحيل السياسي".
أما الآن وقد تمخض الجبل ليلد استنساخا للقديم على أساس إرضاء الحلفاء والإيهام بالتغيير، الآن وقد سقطت جل الأقنعة وأخذت ماكينة الثورة، المستمرة رغم كيد الكائدين، تفرز الغث من السمين والمنحاز لقضايا الثورة من المتآمرين عليها، فالأولى بقوى الثورة أن تركز على ما هو مهم وأهم فيما تبقى من مرحلة انتقالية تفصلنا عن موعد الانتخابات، انتخابات أقرب إلى عالم الغيب من الواقع ولم تتوفر بعد على الشروط الموضوعية للنجاح في كنف التنافس النزيه والسلمي والعادل.
وإن كنت أعتبر السيد حمادي الجبالي المسؤول الأول عن فشل الحكومة المستقيلة، فإنه من المهم العودة إلى ما صرح به بتاريخ، 12 جانفي 2013، لجريدة الشرق الأوسط [1] قائلا : "يجب أن نصارح شعبنا... وكان هناك خطأ في التقييم قبل الوصول إلى الحكم...". لا يتحدث الرجل هنا عن رأيه الخاص في تصور الحكم وتقييم الأوضاع وإنما الأرجح أن يعبر بذلك عن تصور حزبه، وهو الأمين العام لحركة النهضة الحاكمة. قد تتبرأ النهضة وأتباعها (المؤتمر والتكتل) من تصريحات الجبالي بعض أن صار من المغضوبين عليهم، على الأقل ظاهريا، ولكن المعطيات على الأرض تصب في تصديق كلام الجبالي الذي كان رجع صدى لما كررته المعارضة منذ أشهر ولما كان يختلج في نفس التونسيين. الإستفاقة كانت متأخرة وفاقدة للفعل والإرادة والدعم الحزبي، كما أنني أرجح أن تصريحات الجبالي تلك كانت تمهيدا، أو لنقل تهيئة نفسية للشارع التونسي، لتقبل مشروع الاستعمار الذي كان يطبخ على نار هادئة من قبل الترويكا وحلفائها (صندوق النقد الدولي وقوى رأس المال العالمي).
السيد العريض، في عرضه المسرحي الهزيل أمام المجلس التأسيسي، لم يستخلص العبر ولم يصارح نفسه وحزبه والشعب ولم يحاول تقييم أداء الحكومة السابقة والوقوف على أخطاءها وسبل تجاوزها، حتى أن المتمعن في الخطاب يلاحظ بيسر غلبة الثني على الحكومة السابقة والتأكيد على "مواصلة" (على لسان العريض) مجهودات "السابقين".
وإن نالت الحكومة أغلبية الأصوات تحت قبة باردو فإنها لم ولن تنال ثقة الشعب، خاصة عندما يقتصر الخطاب على إعلان نوايا، بلا روح ولا مضمون، لدغنا منه في أكثر من مرة (إعلان نوايا الترويكا في بداية التحالف ثم الإعلان، يوم يوم 15 أكتوبر 2012، عن التوافق على 23 جوان 2013 كتاريخ للانتخابات، لتذهب الوعود بعد ذلك أدراج الرياح).
ووسط هذا الضباب الكثيف المصطنع، والذي زاده غموض الرؤية والخطاب ضبابية، وفي الوقت الذي تستعد فيه قوى الثورة المضادة المتنازعة، والمتمثلة في السلطة الحالية (الترويكا) وبقايا النظام القديم (النداء وما لف لفه)، كل بطريقته، لإعادة تشكيل القديم واستنساخ الاستبداد بمسوغات مختلفة، مستمدة شرعيتها من رضا القوى الخارجية والمالية، على قوى الثورة أن تحدد أجندتها، التي تمليها الثورة، وأن تنزل إلى الشارع لحسم الملفات المسكوت عنها:

1 - الشهداء والجرحى والجيش الوطني : لابد من إحالة ملفات الشهداء والجرحى على القضاء العدلي المدني وسحبه من مؤسسة القضاء العسكري الذي يعتبر قضاء إستثنائيا لا يمكن أن ينصف المدنيين وهو متهم وحاكم في ذات الوقت. كما أنه حري برئيس الجمهورية (إن صح التعبير) أن يوقف العمل بقانون الطوارئ الذي أنهك جيشنا الوطني الأبي حتى يتسنى لجنودنا المنهكين الرجوع إلى ثكناتهم واسترداد جاهزيتهم وتحسين تمركزهم على الحدود في ظل التهديدات الأمنية العديدة من تهريب للسلاح وتدفق الفرق الإرهابية.
كما أن القضاء العدلي المدني وحده مؤهل لإنصاف شهدائنا الأبرار والجرحى الذين قاسوا الويلات وآن الأوان أن ينالوا ما يستحقونه من رعاية ورد للاعتبار ماديا ومعنويا.

2 - العنف السياسي - اغتيال الشهيد شكري بلعيد : الضغط من أجل إماطة اللثام عن كل حيثيات الجريمة والكشف عن هوية القتلة والمخططين والخلفيات ومصدر الموارد ومقاضاة الفاعلين والمخططين المباشرين وكذلك غير المباشرين من المسؤولين السياسيين والحكوميين، وأولها رئيس حكومة الالتفاف الثانية، الذين تساهلوا في التعاطي مع العنف السياسي والتحريض على الاقتتال والاحتراب والاستخفاف بالتهديدات التي تلقاها الشهيد.
إذ لا يمكن تصور إجراء انتخابات حرة، شفافة ونزيهة في ظل التوظيف السياسي للدين والمساجد وما نتج عن ذلك من تأزم. وأشك  في نية الحكومة تحييد دور العبادة وحماية الدين من التطرف والغلو. فكيف لحكومة العريض أن تتعاطى مثلا مع "الداعية" البشير بن حسن الذي استمات في الدفاع عن "الشرعية و"الإسلام" في اشرع الحبيب بورقيبة جنبا إلى جنب مع الغنوشي والبناني واللوز؟ كيف ستتعاطى معه وهي مدينة لهذا "الداعية"، سعودي التكوين وهابي المشروع، والذي دعا من منابر المساجد إلى الجهاد ضد "الماركسيين" و"الشيوعيين" (على حد قوله) في أعقاب أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لوح بإضراب عام. ولا أرى في هذا الإطار مناصا من التحقيق مع كل من ثبتت ضدهم، يمينا ويسارا، تهمة التكفير أو التحريض على العنف وسن قوانين صارمة تجرم التكفير والتحريض على العنف في المساجد.

2 - الفساد المالي والفساد السياسي : الضغط من أجل كشف الحجم الحقيقي للفساد المالي والسياسي الذي نخر الدولة، وما يزال، طوال الحقبتين البورقيبية والبنعلية، ولن يتحقق ذلك دون التفكيك الفعلي لجهاز البوليس السياسي للكشف عن أرشيفه كاملا في إطار لجنة وطنية مستقلة يشرف عليها أكاديميون وقضاة  يشهد لهم بالكفاءة والنزاهة والحياد. بالتوازي، لا يمكن أن يصبر الشعب على السياسات اللا شعبية ويتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي أفرزما النهج الرأسمالي التبعي المنتهج قبل وبعد الثورة، لا يمكن أن يواصل الكادحون التضحية بقوت أبنائهم أمام استفحال الفساد المالي وعودة رموزه من الباب الكبير. لذلك توجب الكشف عن شبكة رؤوس الأموال، المحلية والأجنبية، المتواطئة في هذا الفساد. إذ سكت العريض عن الفساد المالي وخاصة المال السياسي واختراق السياسة والأحزاب من طرف هذه القوى، الداخلية والخارجية، والتي كانت من العناصر الموجهة لانتخابات 2011، إذ أحدثت تشويها واختلالا للمشهد السياسي وللتوازن بين أحزاب المال (أحزاب السلطة الجديدة) من جهة، والأحزاب التي لم تتخلق بعد وأبت إلا أن تكون صادقة مع الشعب.

3 -  غلاء المعيشة، المنوال الاقتصادي والمديونية الخارجية : وعيا منها بأن ساعاتها باتت معدودة، كثفت حكومة الكومندوس الأولى، حكومة مهمات صندوق النقد الدولي، في الأشهر الأخيرة (وخاصة منذ نوفمبر 2012)، المشاورات مع الأطراف الأجنبية (صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي خاصة)، لتضع اللبنات الأخيرة لمشروع "إصلاح" هيكلي سيسرع نسق ارتهان اقتصادنا الوطني لرأس المال العالمي ويمهد لتفكيك الدولة والقطاع العام على حساب الطبقات المسحوقة. ولما لمس صندوق النقد الدولي بداية نهاية صلاحية الفريق الخاص الأول، خلص إلى مخطط بديل يغير الشكل ويبقي على المضمون. وهنا، على القوى الوطنية والديمقراطية أن تتفطن بهذا الخطر وأن تهب من أجل الدفع إلى إلغاء كل الاتفاقيات الإطارية التي عقدتها حكومة الترويكا وكذلك التخلي عن السياسات اللاشعبية الرامية إلى استرضاء القوى الخارجية على حساب الشعب وصولا إلى تجميد دفع الديون والشروع في التدقيق فيها.
لقد تعمدت ربط غلاء المعيشة والمنوال الاقتصادي بالمديونية الخارجية، ذلك أن الحكومات المتعاقبة، الفاقدة للمشاريع السياسية، دأبت على التداين الأعمى لتوفير السيولة اللازمة لبسط الحكم وإسكات الأفواه لحين، أي أن الشعب المسكين يقترض من أجل حكم الترويكا... وهو ما يخلق حلقة مفرغة للتداين من أجل تسديد الدين ورباه لا من أجل خلق الثورة ومواطن الشغل (أنظر مقال الأستاذ الاقتصادي محمد مبروك [2]، مع تحفظي على سكوت الكاتب عن تواطؤ الترويكا).
إن انصياع الترويكا لأجهزة اقتصاد السوق (صندوق النقد الدولي وما لف لفه) وأسلحتها كوكالات الترقيم الائتماني (والتي كنت قد كتبت عن أصولها التاريخية ودورها المشبوه [3]) هو جريمة في حق الوطن والثورة وجب التراجع عنها عبر:

  • التراجع عن الزيادة في الأسعار وتكثيف المراقبة ومقاومة شبكات الاحتكار وتهريب السلع،
  • تجميد دفع الديون لخمس سنوات متتالية على الأقل حتى يتسنى الشروع في التدقيق في ديون العهدين البائدين، وتجدر الإشارة أن حكومة القوات الخاصة 1 سبَقت دفع 600 مليون دينار في أواسط فيفري، وكان ذلك حلقة من حلقات المناورة المقيتة، ذلك أنه تم إيهام الرأي العام بأن هناك أزمة قد تعيق خلاص رواتب الموظفين وأن بيع الأملاك المصادرة وفرت 600 مليون دينار!!!  لخلاص الرواتب. الحقيقة هو أن الأزمة لا تعدو أن تكون إلا مجرد صنع خيال الترويكا وتم توجيه الأموال المصادرة (إن وجدت) لتسديد الديون وإرضاء صندوق النقد.
  • إلغاء كل الاتفاقيات الإطارية وخاصة اتفاقية الشريك المتميز مع الاتحاد الأوروبي ومشروع الإصلاح اللا شعبي لصندوق النقد الدولي والمندرج ضمن مخطط الياسمين الصهيوني الاستعماري المعروف أيضا بمشروع قمة دوفيل (أنظر صفحة 16 من الوثيقة [4]) والذي كان الجبالي استحث الأوروبيين على التسريع في تفعيل وعوده [5]. كما يتوجب إلغاء كل استتباعات هذه المشاريع الهدامة (كمجلة الاستثمار الجديدة [2]، ومشاريع تفكيك الدولة كمشروع السماء المفتوحة...). ويكفي أن نتمعن في الصورة البيانية أسفله، والتي استخرجتها من وثيقة مخطط الياسمين (أنظر صفحة 16 من الوثيقة [4])، لنلاحظ أن الوثيقة قبرت تاريخ 20 مارس 1956 بينما ذكرت تاريخ دستور عهد الأمان (1861) الذي مهد للاستعمار وكذلك الخطاب التطبيعي الانهزامي لبورقيبة في أريحة سنة 1965.





إن تجميد تسديد الديون سيسمح بتوجيه هذه الأموال إلى الاستثمار في المناطق الداخلية ودعم الفئات والجهات المفقرة. ولنا في التاريخ عبر، إذ يكفي أن نذكر مثال الأرجنتين التي كانت إحدى ضحايا "معاهدة واشنطن"، فرغم أنها كانت، طوال العقد الأخير من القرن الماضي، التلميذ النجيب المنصاع لمؤسسات إقتصاد السوق، تحت ولاية الرئيس كارلوس منعم، إلا أن شهر العسل سرعان ما انفض [6] في أعقاب الأزمة الاقتصادية العالمية التي عصفت في أواخر القرن الماضي والتي أدخلت الاقتصاد الأرجنتيني إلى الإنعاش وأسهمت في تأزمه الحاد سنة 2002 دون أن يسعفها صندوق النقد الدولي الذي طلب منها تسديد الديون، علاوة على فرض برنامج تقشف لا إنساني تحت مسوغ "الإصلاح الهيكلي"، وهو ما دفع الحكومة الجديدة إلى الانحياز للشعب الأرجنتيني والامتناع عن تسديد الديون، ما كان له الفضل في تعافي الاقتصاد الأرجنتيني الذي نجح طوال ثلاث سنوات متتالية في تحقيق نسبة نمو بمعدل 8%.

وحتى لا أتهم بالشعبوية والمزايدة، فإنني أعتبر أن التقشف أمر ضروري، على أن يخضع لسياسة شعبية حكيمة وعادلة وعلى أن تبدأ من أعلى هرم الثورات وكبار المسؤولين في الدولة بتقليص عدد السيارات الإدارية والإمتيازات (البنزين، منح الكساء...) ومصاريف السفرات والزيارات... كما يكون التقشف الحكيم لصالح الفئات المحرومة عبر الامتناع عن توريد الكماليات أو فرض أداءات إضافية عليها تخصص لصندوق اجتماعي تنموي (لا صندوق الدعم الذي يستنزف الطبقات الكادحة لصالح كبار المستهلكين من الأثرياء) يكون موجها للفئات والجهات الفقيرة.

4 - الإعلام - القضاء - الدستور - الانتخابات : وهي أيضا ملفات شديدة الترابط، لقد سئم الشعب التصريحات المتتالية والمتضاربة حول تاريخ الإنتهاء من كتابة الدستور والولوج إلى الانتخابات، وهو ما أسهم في زعزعة ثقة المواطنين في نوابه.
أما على مستوى المضمون، فلا أمل في الخروج بدستور شعبي ديمقراطي ما لم تتخلى النهضة عن منطق دستور "الأغلبية" لتغلب مطالب الثورة التي نادت بالحرية والعدالة الاجتماعية على مشروعها العقائدي. إذ لم يتوفر الدستور، في نسخه الأخيرة، على الشروط الدنيا التي تجعله يعكس روح الثورة ويبلغ رسالتها الحضارية المنادية بتحرر التونسي وتحقق مواطنته إجتماعيا وإقتصاديا وسياسيا وإقرار الحريات ومأسستها . كما أن نص الدستور يفتقر لبنود ثورية تكون في مستوى التضحية التي قدمها الشعب وما كلفه هذا المجلس التأسيسي من مال وصداع، واقترح أن نستلهم في عدد من المجالات، ما جاء في دستور فنزويلا مثلا :

  • في السيادة السياسية والاقتصادية : بناء على ما سبق، يمكن الإقرار بأن أهم تحد وطني نواجه اليوم هو بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المستقلة، ويمكن الاقتداء، في هذا الشأن، بالدستور الفنزويلي في فصليه 12 و 13 [7]، المقرين بالسيادة المطلقة للدولة والشعب على الموارد الطبيعية السطحية منها والباطنية وبتحجير إقامة قواعد عسكرية أجنبية على التراب الوطني. وأقترح أن يسن قانون يلزم السلطة التنفيذية بتقديم أي مشروع اقتراض أو تسديد ديون أو إستثمار أجنبي أمام مجلس النواب  ويسمح لنواب الشعب بتعطيله (المشروع) إذا ارتأوا فيه إضرارا بمصلحة الوطن أوسيادته على أن يسمح لمجلس النواب، في حالة الأزمات والطوارئ، بإقرار إجراءات إستثنائية سيادية كتجميد دفع الديون لأجل محدد.
  • في العدالة الاجتماعية : التنصيص صراحة، في نص الدستور، على واجب الدولة في وضع سياسات تكرس التمييز الإيجابي لصالح الفئات والجهات الفقيرة.


هذه حلول عملية لحل الملفات الحارقة التي تشغل الشارع والكادحين والتي يجب أن تقود الثورة. أما المعطيات الموضوعية والذاتية على الأرض فلا تبشر بتغيير على مستوى عقلية الحكم والتسيير. فعلى المستوى الذاتي، تتوجه الحكومة (التي تسيطر عليها حركة النهضة) نحو مزيد من التصلب والتفرد، وهو ما نقرأه على مستوى التركيبة الجديدة التي كافأت الفاشلين عبر ترقية البحيري بتوليه أكثر المناصب إستراتيجية كمستشار سياسي لرئيس الحكومة ويدير بذلك العملية السياسية برمتها من الكواليس وهو الرجل الذي ضرب مرفق العدالة وعطل إصلاحه. كما تمت ترقية السيد وزير الداخلية، وزير تحزيب وزارة الداخلية وأدلجتها، وزير 9 أفريل والعمران والرش واغتيال الشهيد شكري بلعيد، وهي كلها ملفات لم تحسم أو تم التلاعب بها. كل هذا دون الحديث عن إلتحاق إسلامويين متشددين على رأس أكثر الوزارات حساسية. هذا إلى جانب الاحتفاظ بوزير الشؤون الدينية الذي ترك الحبل على الجرار لتستباح المساجد من قبل المحرضين والمكفرين والمتاجرين بالدين.
على المستوى الموضوعي، فإن طريقة إدارة التفاوض التي عملت بمنطق اقتسام الكعكة والتنفيس على الترويكا بتوزيع الفشل على حساب البرنامج هي خير دليل على أن الترويكا لم تستوعب الدرس ولم تع بعد عمق الأزمة وحدتها، وهو ما يبين عجزها عن قيادة الثورة. كما لا أمل في مقاومة الفساد المالي والسياسي في ظل مساعي النهضة الحثيثة من أجل إعادة تشكيل القديم بأدوات التجمع المنحل من رجالات وأموال وشبكات فساد. لكل هذه الأسباب مجتمعة، أقول صوتوا على هذه الحكومة بسرعة وارحمونا، لكم أجندتكم ولنا أجندتنا، لكم حكومتكم ولنا ثورتنا، والثورة لا تنتظر.



[2]. محمد مبروك، "مجلّة الاستثمار مجلّة الاستعمار"، goo.gl/sAO1C
[3]. أيوب المسعودي، "لا لن تعاقب STANDARD AND POOR’S الشعب الذي ثار
[4]. وثيقة مخطط الياسمين، http://pdf.lu/9IG6
[5]. وكالة تونس إفريقيا للأنباء، goo.gl/y3AWu
[6]. E. Stiglitz, "Le fanatisme des marchés, un autre monde", Pages 370 - 378
[7]. دستور الجمهورية البوليفارية الفنزويلية، goo.gl/o0jUb

lundi 4 mars 2013

النهضة : دروس في التحيل السياسي

النهضة : دروس في التحيل السياسي
25 فيفري 2013

نشر في جريدة صوت الشعب بتاريخ 28 فيفري 2013




يخلص المتمعن في الشأن السياسي الوطني العام، وبالخصوص في إدارة حكومة الترويكا للأزمات المتتالية، إلى النجاح البارع الذي تحققه حركة النهضة، لا في حلحلة المشاكل والقضايا الوطنية الأساسية وذات الأولوية والاهتداء إلى الفعل والخطاب المناسبين لطمأنة الشعب، بل في أربعة أشياء أساسية :

أولا، مزيد خلق الأزمات وإغراق البلاد في مصائب متزايدة الخطورة، فمن أزمة التعيينات البنفسجية على رأس الإعلام العمومي والإدارات والولايات والمعتمديات، وذلك منذ الأيام الأولى لتولي الترويكا الحكم، إلى القمع الوحشي لمظاهرات 09 أفريل 2012، إلى تهريب البغدادي المحمودي، يوم 24 جوان 2012، وخيانة رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة والاعتداء على الدستور المؤقت، إلى القمع الممنهج لبواسل سيدي بوزيد في أوت 2012 وما تلاه من إعتداءات في الحنشة والمهدية وجربة وقابس... ، إلى واقعة السفارة في 14 سبتمبر، إلى اغتيال لطفي نقض بتطاوين في أكتوبر 2012، إلى أحدأث سليانة واستعمال الرش لقمع التحركات الاجتماعية في ديسمبر، إلى الاعتداء السافر على النقابيين في معقلهم بساحة محمد علي في نفس الشهر، وصولا  إلى اغتيال الشهيد المناضل شكري بلعيد في 06 فيفري 2013... دون الحديث عن الاعتداءات المتكررة والتي لحقت نشطاء سياسيين ومدنيين وإعلاميين وأكاديميين والتي ما فتئت تتكثف وتزداد عنفا.
ثانيا، القدرة الهائلة للنهضة على استثمار هذه الأزمات لصالحها وإضعاف موقف الأحزاب السياسية، حلفاء ومعارضة، وإيقاعهم في فخ القبول بشروط النهضة تحت مسميات "المصلحة الوطنية" و "الوحدة الوطنية" و"تجنب الفراغ" و "الاستقطاب الثنائي"... وقد تجلى ذلك على الأقل في ثلاث مناسبات شديدة التشابه، الأولى في جوان 2012 بعيد أزمة البغدادي المحمودي ، فكان أن لوحت النهضة بتحوير وزاري أصابت به ثلاثة أهداف في آن واحد، فقد أرهبت بذلك الانتهازيين من وزراء المؤتمر والتكتل من جهة وشقت صفوف "المعارضة" ببث الفتنة بين قابلي الحوار مع النهضة ورافضيه من جهة، وأخيرا وليس آخرا، أجهضت مبادرة الاتحاد (والتي كنت قد باركتها شخصيا (أنظر goo.gl/Mx2Ju))... كل ذلك طبعا دون أن يتم التحوير الموعود. المناسبة الثانية كانت في أكتوبر 2013 لما خرجت علينا الترويكا بوثيقة "إعلان نوايا" خاوية غامضة كانت الغاية الوحيدة منها ربح الوقت وضرب مبادرة الاتحاد للمرة الثانية. أخيرا، وبعيد إغتيال الشهيد شكري بلعيد، اقترفت الأحزاب "المعارضة" الخطيئة الأصلية عندما هرولت إلى مباركة فخ حكومة التكنوقراط، تلك الخطة المسمومة شديدة الإحكام التي وضعتها منبليزير ونفذها أمينها العام والتي سمحت للنهضة بتحقيق ثلاثة أهداف إستراتيجية أولها صناعة "رجل دولة"، بشهادة المعارضة، إسمه حمادي الجبالي، قد يكون مرشح الحركة في الرئاسية القادمة، ثانيا، شق صفوف المعارضة ببث التفرقة داخل الأحزاب وبينها (كما حصل داخل التحالف الديمقراطي والاتحاد من أجل التجمع بين الداء والجمهوري)، وأخيرا وليس آخرا، قبول الأحزاب المعارضة بفكرة الحكومة الائتلافية، بشروط النهضة، وخاصة بعد أن رفضتها في بداية المرحلة الانتقالية!
ثالثا، قدرة الحركة على جعل الأحزاب السياسية تدور في فلك التجاذبات المزعومة للنهضة. أقول "مزعومة" لأنني لا أؤمن بوجود تيارات داخل النهضة بل بتجانس في الأهداف وسبل تحقيقها ورسم وتخطيط محكمين وتوزيع أدوار ذكي يوهم بوجود رجال حوار داخل الحركة لربح الوقت... في الأثناء، يحث المرشد الخطى لوضع اللبنات الأخيرة لحرسه "الثوري". ويذكرني مجلس شورى حركة النهضة بالمجلس الأعلى للفاشية، أعلى سلطة في الحزب الوطني الفاشي بقيادة موسوليني، الذي أنشأ ميليشيات الأمن الوطني كتنظيمات تطوعية تسند الحزب الفاشي الحاكم في قمع المعارضين وحفظ "الأمن" قبل دسترتها واختراقها من بعد لأجهزة الأمن الرسمية وسيطرتها عليها. كما كان أعضاء هذا التنظيم الإجرامي يخضعون لسلطة رئيس الحزب دون غيره!
رابعا، تحييد رئيس الجمهورية، الحقوقي السابق، وحصر دوره في مجرد ناطق رسمي باسم "التجربة الفريدة" لتعايش "الإسلاميين المعتدلين" و "العلمانيين المعتدلين" التي يعتبر نفسة، مع مرشد الجماعة، من أهم منظريها. إصرار الرئيس الطبيب، واستبساله المرضي (Acharnement Thérapeutique) في الدفاع عن هذه "التجربة الفريدة"، الميتة سريريا، مهما كانت التكاليف، هو جريمة في حق الثورة والشعب من أجل الانتصار لنظريته الساذجة. قد يجني الرئيس من ذلك ما شاء من الأوسمة والجوائز العالمية، ولكن ما فائدة ذلك وشعبه يجوع ويهان؟ ما فائدة ذلك في ظل أيرنة تونس الحبيبة واستباحة دمها؟ ثم لا يفوتني أن أعبر عن صدمتي من تجرؤ رئيس الدولة "العروبي" على الزعيم الرمز جمال عبد الناصر في البرلمان الأوروبي في 06 فيفري 2013؟ لا يمكن أن أقبل ما قاله أيضا أمام الجمعية العامة الفرنسية يوم 18 جويلية 2012 عندما تحدث عن تونس وإمكانية أن يكون المغرب العربي، إذا توفرت فيه شروط الأمن والازدهار، درعا (وقد استعمل عبارة (un sas)، وهو المعبر الآمن) للاتحاد الأوروبي ضد الهجرة غير الشرعية والإرهاب من دول الساحل الإفريقي. أود أن أقول لك سيدي الرئيس أن تونس وثورتها أعظم من ذلك بكثير، هي أعظم من فرنسا والاتحاد الأوروبي، خطابك هذا لا يختلف في شيء عن خطاب بن علي ولا يشرف تونس والتونسيين!


إن الإسلام براء من حركة النهضة وأمثالها من الأذرعة السياسية القطرية للإخوان المسلمين، وخلاصة القول أن النهضة أثبتت تهافت مقولة "الإسلام هو الحل"، بل يمكن القول أنها أثبتت أن "الإسلاميين هم المأزق". فهم  لا يمثلون أكثر من متحيلين سياسيين  يمتهنون انتحال المقدس والتدرج في الأزمات لفرض الأمر الواقع حتى يستفيق المجتمع المدني والسياسي ذات صباح على دولة المرشد الأعلى تحت حماية الحرس الثوري. هم متحيلون لأنهم لم يأتوا بشيء جديد بل انتحلوا المقدس الذي هو ملك عامة الشعب، هم متحيلون لأنهم متسترون على قتلة الشهداء، هم متحيلون لأنهم وعدوا وخانوا وعاهدوا ونقضوا، هم متحيلون لأنهم فاقدون للحلول السياسة لمشاكل البطالة والحيف الطبقي والجهوي، هم متحيلون لأنهم وعدوا بالقطع مع النظام البائد فأضحوا ينصبون أعمدة التجمع على رأس أهم مؤسسات الدولة، هم متحيلون لأنهم لا يختلفون في شيء عن نظام بن علي، هم متحيلون لأنهم رجال صندوق النقد الدولي ورأس المال والقوى الاستعمارية، هم متحيلون لأنهم جزء من المشروع الغربي الرامي إلى تشطير الأمة العربية على أساس طائفي رجعي لإضعافها والحيلولة دون توحدها وتقدمها، هم بكل بساطة رجال استمرارية النظام! أما نحن الشباب الثائر، فنحن مع استمرارية الثورة حتى الإطاحة بجذور النظام، هذا النظام الذي أصبحتم، ترويكا ورئاسة، جزءا منه!

أيوب المسعودي